بين السناريو والإخراج، يحافظ العمل
التلفزيوني على احترامه وقدسيته؛ ذلك فقط عندما يبقى للإخلاص دفئه وسلامه.
هو خيط واحد، إن قطع فستكون الدراما السورية في مشكلة حقيقية فعلاً؛ خيط
الإخلاص للنص وإبقائه في الدائرة التي كتب فيها. كلُّ ذلك يجب أن يكون من
أجل أن يخرج العمل التلفزيوني بكل أناقته وقيمته، بعيداً عن تداعيات
المهزلة والسخف التجاري أو الشخصي لأيٍّ كان، والذي يؤدي إلى تشويه وتفكيك
المشروع الدرامي من أساسه.. التقينا هاني السعدي (كاتب سيناريو مسلسل "سفر
الحجارة").
وكما رحب بنا بكلّ لطف، كذلك رحبت بنا ورقته التي كانت أمامه. حيث يبتكر
كل منهما لغة دافئة، ليتواصلا ويكسرا صمت الوحدة وصمت الكلمات. هادئاً،
خصَّنا بكل ما سيتحدَّث عنه من إشكاليات مسلسل "سفر الحجارة" بين
السيناريو والإخراج.
علمنا أن هناك خلافاً بينك وبين يوسف رزق، فقد أشير إلى أنك تعترض على الكيفية التي ظهر فيها النص.. ما هي وجهة نظرك تجاه الموضوع؟
- القضية الفنية تبقى مسؤولية المخرج؛ لأنني أنا الكاتب أقدّم له
النص وهو يقدّمها للناس حسب أسلوبه الإخراجي، وأنا ليس من حقي التدخل به؛
لأنَّ كل مخرج في النهاية له رؤيته الإخراجية، لكني في هذا الصدد سأتحدَّث
عن عدة نقاط.
عندما كتبت العمل، كانت أحداثه تجري في فترة زمنية تمتدّ مما قبل أحداث 11
أيلول بشهرين إلى ما بعد انعقاد مؤتمر القمة في بيروت بلحظات. والذي حدث
أنَّ المخرج (يوسف رزق) رأى أن يدخل أحداث غزة في النص. طبعاً أنا لم أكن
أوافقه الرأي. فمن جهة، ليست أحداث غزة في نفس الفترة الزمنية التي كُتب
النص حولها، ومن جهة أخرى إننا لا نستطيع اختصار كل الذي حدث في غزة بخط
من خطوط المسلسل؛ فاجتياح غزة يستوعب عملاً قائماً بذاته.
ثمَّة أيضاً نقطة أخرى تتمحور حول الأحداث في بداية العمل، حول خالد (وائل
رمضان) ووليد (ميلاد يوسف)، إذ إنهما كانا يدرسان في باريس، وهناك في
باريس يوجد جمعية صهيونية تابعة للوبي الصهيوني مشكَّلة من أولاد مراهقين،
يكلفون بمهام تخريبية وأحياناً اغتيالات، بذريعة أنَّ هؤلاء الأطفال لا
يحاكمون مثل الكبار. ووقتها أخبرني يوسف رزق بأنه لا يوجد لدينا ممثلون
يجيدون التكلم باللغة الفرنسية، ولكن هناك من يتكلم الإنكليزية. فاقترح أن
تتغيَّر المنطقة المكانية من باريس إلى لندن، فكان ردي على كلامه: في هذه
الحالة سنفقد وجود تلك الجمعية. فأجاب يوسف: بإمكاننا أن نعتبر أنَّ لها
فرعاً في لندن. بصراحة أنا قلت له إنني لست مقتنعاً بذلك، لكن إن كان مثل
هذا الحلّ يناسبه إنتاجياً، فليكن ذلك. ولكن المفاجأة كانت بعد عرض العمل،
إذ إنه حتى في لندن لم يكن هناك أيّ ممثل يتكلم الإنكليزية (لا الإنكليز
ولا حتى خالد ووليد)، الجميع كانوا يتكلمون اللغة العربية الفصحى. حتى
عندما أصبح محور الأحداث داخل فلسطين، لم يوجد أي ممثل تكلم العبرية، كان
الكلام كله بالعربية الفصحى. والمعروف أن الفلسطينيين الموجودين داخل
إسرائيل يتكلمون العبرية كما أن الإسرائيليين يتكلمون اللهجة الفلسطينية.
ذلك فعلاً كان صدمة بالنسبة لي. وهذا -من أسف- أفقد العمل صدقيته وقدرته
على الإقناع.
ماذا عن الانتاج..؟!!- الفكرة هي أنَّ العمل مكتوب من ست سنين. واجهت العمل صعوبات إنتاجية من
قبل المحطات التلفزيونية. ومن هذا الباب، طرح (يوسف رزق) فكرة الإنتاج
المساهم، وأنا وقتها كنت أريد فقط أن يخرج هذا العمل إلى الناس، لأنَّ
الأحداث تتغيَّر مع الزمن والحكايا تتغيَّر. وكان أن تكفل يوسف رزق بالكم
الأكبر من الإنتاج، وربما يكون يوسف رزق فكَّر بهذا المنطق.
وماذا عن شخصية ابراهيم؟.
- في النصّ الفعلي الذي كتبته، شخصية إبراهيم (ابن رئيس الخلية)
مكتوبة عملياً على أساس أنه شاب فلسطيني عمره 14 سنة، لكنه يحمل سمات
الرجولة بوجهه وقامته وصلابته. ومن أسف لم يكن اختياره لابنه سليمان من
أجل هذا الدور موفقاً أبداً. حتى عبارة (ابن الداشرة) -وهي شتيمة سيئة
جداً باللهجة الفلسطينية- صحيح أنها كانت موجودة في النص، ولكن ليس لدرجة
أن يحمّلها لكل الممثلين حتى لابنه.
لكنها شخصية متخيلة على ماأظن؟- لا، أبداً هي شخصية واقعية من أولاد فلسطين، وأنا لم أكتب أبداً أنَّ
هذا الولد قادر على ملاحقة ضابط إسرائيلي أو قادر على قتله أو سوبرمان كما
رأى المشاهدُ الشخصيةَ. حدث تشويه لشخصية إبراهيم في النص الذي كتبته.
ثمة معارك كانت أقرب إلى الفنتازيا منها إلى الواقعية.. ؟- من أسف، لم تكن المعارك مدروسة ولا بشكل من الأشكال، حتى إنه لم يسألني
أبداً. وحتى لو لم يكن يريد استشارتي، كان عليه على الأقل أن يسأل مثلاً:
كيف تتمّ العمليات الفدائية الواقعية؟.
ما هي في رأيك صلاحيات المخرج في للتدخل في العمل؟ - نحن دائماً نطالب بحفظ حقوق المؤلف، مع أنَّ العقد الذي بيني وبين
المخرج يوسف رزق في "سفر الحجارة" ينصُّ على المحافظة على حقوق المؤلف
الأدبية للكاتب هاني السعدي. ويوجد بند آخر: يحقّ للمخرج تعديل النص بما
يتوافق مع الرؤية الإخراجية. ولكن يبدو أنه علينا أن نوضح ماذا يعني أن
(يتوافق مع الرؤية الإخراجية!!!). مثلا تغيير مكان يعتبر رؤية إخراجية،
كذلك تغيير نوع سيارة. لكن الرؤية الإخراجية لا تعني أبداً التدخل بالنص
أو تعديله. أما يوسف رزق فأجاز لنفسه التدخل في كل شيء.
وماذا عن الاختصار في المَشاهد أو في الشخصيات؟- طبعا هذا غير مقبول أبداً!!. وهذا ماحدث. مثلا تمَّ الاكتفاء بممثل واحد
بدل ثلاثة ممثلين لدور ضباط، فوقع أيضاً في مشكلة عدم الإقناع للمشاهد،
الذي يجب أن نثق فعلاً برأيه ووجهة نظره.
وُجه
نقدٌ كثير إلى اللهجة في المسلسل؛ بأنَّ اللهجة تنوَّعت بين البدوية
والشامية. ومن المعروف أنَّ هاني السعدي فلسطيني الأصل، فكيف تفوته هذه
القصة؟. لماذا لم يكن هناك مدققو لهجة؟- علمت بوجود ثلاثة مدققين للهجة. وكنت قد طلبت أن أكون أثناء التصوير من
أجل تصويب أخطاء اللهجة وغيرها، لكن المخرج رفض وجودي وحضوري إلى مواقع
التصوير. أعتقد لأنه يعرف أنني سأتدخل فقط لمصلحة العمل، ولذلك لم يرغب في
وجودي.
لكل عمل وجهان؛ إذا نجح اتفق الجميع، وإذا فشل تصارعوا. مارأيك؟- المشكلة هي في غياب الاستماع إلى رأي الآخر المختلف عن رأيه. وهي مشكلة المخرج يوسف رزق (عدم الإصغاء إلى الآخر).
ألا
تعتقد أنك تقوم بتضخيم المشكلات الاجتماعية في الأعمال الدرامية التي تقوم
بكتابتها، لاسيما في مسلسل "الخط الأحمر"، الذي أثار استياء شريحة من
الجمهور؟- لا أبداً. فأنا أستقي أفكاري من الواقع الذي يعيشه الناس، ويدركون ما هو
تماماً، وأكتب عنها بموضوعية تامة، بل على العكس؛ فواقعنا مليء بمشكلات
أكثر ضخامة مما يكتب عنه ويعرض على الشاشة. وأحياناً القسوة مطلوبة قليلاً
لردع الناس- طبعاً القسوة بلا مبالغة. وإن كان يرى البعض ذلك تضخيماً،
فأعتقد أنَّ ذلك أصبح مسألة إخراج ومؤثرات إخراجية.
هل
تعني كتابة الدراما المعاصرة من وجهة نظرك وضع المجتمع بأكمله في أزمة،
وكان كل الناس يعانون منها- وهذا ما ظهر في مسلسلات "أسياد المال" و "عصر
الجنون" و "الخط الأحمر"...؟- لا ليس الأمر كذلك، فأنا عندما أكتب عن مشكلة، فالفكرة تتناول فرداً
واحداً أو اثنين يعانيان من هذه المشكلة، وليس كل الأفراد. وأنا أسلط
الضوء على بعض المشاكل الموجودة في المجتمع؛ إذ يوجد العديد من المشكلات
لم يتمّ التحدّث أو الكتابة عنها مثلنا مثل أيّ بلد عربي آخر. ونحن في
النهاية نتناول القصص السلبية والإيجابية.
تجربتك
في كتابة الفنتازيا التاريخية كانت ناجحة، لكنك لم تعد تنجز هذه الأعمال؛
ذلك في حال اعتبرنا أنَّ مسلسل "صراع على الرمال" مسلسل شبه واقعي. لماذا
لم تعد تنجز نصوصاً من هذا القبيل؟.- تلك مسألة لها علاقة بشركات الإنتاج والطلب. ولدي عمل جديد هو مسلسل "فرسان الظلام" يحمل نفس أجواء "الموت القادم إلى الشرق".
هاني السعدي يحب أن يغامر ويتعامل مع الشباب الجديد ويشجعه ويطلع على
تجاربه. ففي مسلسل "أبناء القهر" تعامل مع المخرج مروان بركات كأول عمل
إخراجي له.
لدى هاني السعدي حتى الآن 42 مسلسلاً تلفزيونياً؛ أي ما يقارب 1000 ساعة تلفزيونية.
يقول عن مشكلته مع الصحافة إنه تمنَّى لو سأله، ولو صحفي واحد، عن النص
الأصلي للسيناريو، من أجل أن يقارنه مع المسلسل الذي يشاهده على الشاشة .
لكي يعرف من المسؤول عن الخلل الذي يحدث، ويكون نقده أكثر موضوعية.
ومن أجل مسلسل "سفر الحجارة" يتمنّى هاني السعدي أن يكون هناك ندوة خاصة
(تلفزيونية أو في الصحافة) تجمع بينه وبين يوسف رزق وبين الممثلين الذين
كانوا في العمل؛ "هذه أعتبرها أمنية لي".
موضوع: هاني السعدي: يوسف رزق شوَّه نص "سفر الحجارة" 
الأربعاء 10 مارس - 12:16
