لا يختلف اثنان حول أهمية سورية من الناحية التاريخية والسياحية . وحول غنى جميع المناطق والمدن السورية بالأوباد الأثرية التي قل أن يوجد لها نظير في مكان آخر من العالم . ومن هذه الأوابد الأثرية يمكن أن نذكر النواعير القائمة على نهر العاصي وخاصة في مدينة حماة وهذا ما جعل بعض المؤرخين يطلقون على هذه المدينة اسم مدينة النواعير بالإضافة لاسمها الآخر وهو مدينة أبي الفداء وتلعب النواعير دوراً أساسياً في الاقتصاد الزراعي لأنها في الأساس وسيلة مبتكرة من وسائل الري وإذا كان دورها في هذا المجال قد بدأ يقل شيئاً فشيئاً بسبب استخدام مضخات الماء الكهربائية ( الموتورات ) فإن أهميتها السياحية لم تنقص بتاتاً بل يمكن القول على العكس إن أفواج السواح الذين يؤمون مدينة حماة للتمتع بمنظر النواعير أو لدراسة حركتها يزيدون يوماً عن يوم ومن المدهش أن نلاحظ أن هناك كتب تصدر بالفرنسية وبالإنجليزية عن الناعورة هذه الآلة المدهشة التي ألهمت الآلاف من الشعراء والكتاب والفنانين منذ خمسة وعشرين قرناً من الزمن حتى اليوم. الناعورة هي آلة مائية ذات حركة دائمة معدة لرفع الماء مؤلفة من أخشاب ومسامير حديدية تغطس بالماء وصناديقها منقلبة فارغة وترتفع ملآنة ماء وتصب الماء في قناة ذات قناطر متعددة وتسقي به البساتين وأكثر الحمامات وبعض الدور والجوامع والخانات والمقاهي. وظيفة الناعورة هي حمل الماء إلى مستوى أعلى من مستوى النهر لتيسير الاستفادة منه نظراً لانخفاض مجرى نهر العاصي في أراضي حماة عن مستوى الحوض الذي ينساب فيه انخفاضاً كبيراً قد يصل إلى سبعين متراً في بعض الأماكن فقد أصبح من المتعذر الاستفادة من مياهه إلا باستخدام وسائل الري التي تلائم هذا الانخفاض الكبير فكانت الناعورة خير وسيلة توصل إليها الإنسان وتدور الناعورة دورة كاملة كل عشرين ثانية تعطي خلالها 2400 لتر من الماء فهل هناك مصدر للماء يأتي من آلة يفوق هذا العطاء دون نفط أو زيت أو كهرباء أو جهد بشري ؟ ولم تتغير تقنية الناعورة على مر العصور منذ خمسةً وعشرين قرناً حتى اليوم , فهي عبارة عن آلات مائية دائرية ذات حركة دائمة مكونة من أخشاب متنوعة في طولها وعرضها وترتبط جميعاً بمحور خشبي ضخم سميك من خشب الجوز يسمى القلب وهو مرتكز على قاعدتين متوضعتين على قواعد حجرية قوية صلبة ( الكفتان ) وللناعورة في نهايتها أخشاب معترضة تلتقي مع تيار الماء الدافق ( تسمى الفراشة ) تتدافع بعضها مع بعض فتدور الناعورة على قلبها باستمرار وتتناثر على أطرافها ( صناديق ) خشبية متلاصقة لها فوهات جانبية فحين تغطس في الماء تمتلئ به وحين يصبح الصندوق في الأعلى ( ويبدأ دورة الهبوط ) يتدفق منه الماء إلى حوض واسع يتسرب في قناة ذات قناطر متعددة ( تسمى الحجرية ) لسقي البساتين والحدائق حالياً وتعتمد قدرة الساقية على سرعة المياه عند ارتطامها بالعوارض ( الفراشات ) ولهذا يتم بناء سد أمام الناعورة لحجز المياه وجعلها تتدفق سريعاً نحو فتحة ذات انحدار خاصة بالناعورة يقال لها البيب فتقوم هذه المياه المتدفقة بقوة الارتطام بالفراشات واحدة بعد الأخرى فتدور الناعورة حاملة في صناديقها الماء نحو أعلى الحجرية وتتراوح أقطار النواعير في حماة بين 5 أمتار و21 متراً وعدد الصناديق التي ترفع الماء بين 50 و120صندوقاً وقد يكون لبعض النواعير صناديق إضافية بمعدل صندوق إضافي واحد لكل 6 أو 7 صناديق عادية وقبل إنشاء أي ناعورة ووضعها قيد العمل يتم أولاً تعيين الموقع الذي ستقوم فيه ثم يصار إلى قطع مياه النهر عن ذلك المكان ويبدأ بعدئذ بأعمال البناء اللازم للناعورة ويشمل ذلك كتلتين كتلة المثلثة التي ستحمل القلب أي محور الناعورة الذي تدور حوله وكتلة البرج الذي يحمل الساقية ويتصل بالحجرية ذات القناطر التي تؤدي إلى الحقول والبساتين وبين الكتلتين يترك الفراغ الذي ستنصب فيه الناعورة والذي يسمى الجزء الأسفل منه باسم البيب ولكي تظل النواعير دائرة وتؤدي عملها بشكل مقبول يلزم إيقافها مرة كل عامين لإجراء عملية صيانة لها تتضمن تبديل بعض القطع منها مثل الفراشات والصناديق وتسمى عملية الصيانة الدورية هذه باسم القشطة ولا يمكن أن تتم هذه العملية إلا بعد إيقاف الناعورة عن الدوران وذلك بنصب سد مؤقت يؤدي إلى حجب المياه عنها وأفضل الأوقات لإجراء هذه الصيانة هو وقت الربيع . والناعورة اسم آلة مشتقة من فعل نعر بمعنى أحدث صوتاً فيه نعير والنعير صوت يصدر من أقصى الأنف وقيل لمثل هذه الآلة ناعورة نظراً لنعيرها وتجمع على نواعير وناعورات . وأقدم صورة للناعورة نجدها في لوحة من الفسيفساء يعود تاريخها للقرن الرابع قبل الميلاد وقد تم العثور عليها في مدينة أفاميا الأثرية وهي موجودة في حديقة المتحف الوطني في دمشق اليوم. وقد لاحظ الرحالة المسلمون وجود النواعير في مدينة حماة منذ أقدم العصور حيث نجد الرحالة ابن جبير يقول عنها : هي مدينة شهيرة في البلدان قديمة الصحبة للزمان حتى إذا جست خلالها ونفرت ظلالها أبصرت بشرقيها نهراً كبيراً تتسع في تدفقه أساليبه وتتناظر في شطه دواليبه وقد انتظمت طرفيه بساتين تتهدل أغصانها عليه. كما أن الرحالة ابن بطوطة يقول عن حماة تحفها البساتين والجنات عليها النواعير كالأفلاك الدائرات ويشقها النهر العظيم المسمى بالعاصي ولها ربض سمي بالمنصورية أعظم من المدينة فيه الأسواق الحافلة و الحمامات الحسان . أما المؤرخ أبو الفداء الذي كان ملكاً على حماة فقال عن مدينته هذه و نواعيرها :حماة من الشام مدينة أزلية و هي من أنزه البلاد الشامية ...و بها نواعير على العاصي تسقي أكثر بساتينها و يدخل منها الماء إلى كثير من دورها. وفي بداية القرن العشرين كان عدد النواعير في مدينة حماة والأراضي التابعة لها 105 نواعير منها 25 داخل مدينة حماة نفسها ولم يعد يوجد اليوم من كل هذه النواعير إلا حوالي 40 ناعورة في حالة العمل منها داخل المدينة 19 ناعورة تنتظم في خمس مجموعات هي : مجموعة البشريات : تقع في مدخل حماة من جهة الشرق وتضم أربع نواعير وهي تتكون من مجموعتين فرعيتين كل منهما يتكون من ناعورتين هما البشريتان والعثمانيتان. مجموعة الجسريات : وهي تتكون من أربع نواعير أيضا" وهم ناعورة الجسرية والمأمورية والمؤيدية والعثمانية. مجموعة الكيلانيات : وهي تتألف من أربعة نواعير أيضاََ ثلاثة منها على الضفة اليسرى و واحدة فقط على الضفة اليمنى وتحمل الأسماء التالية الجعبرية والطوافرة والكيلانية . مجموعة شمال القلعة : تقع في محلة باب الجسر على الطرف الشمالي لقلعة حماة و هي ثلاث نواعير اثنتان منها على الضفة اليسرى و واحدة منها على الضفة اليمنى للنهر وتحمل التسميات التالية الخضر والدوالك والدهشة . مجموعة باب النهر : وهي تتكون من أربع نواعير اثنتان منها لا تزالان قيد العمل المحمدية و القاق واثنتان أخريان قد زالتا من الوجود من قبل نصف قرن وهما العونية والبركة