عائشة
بنت أبي بكر أم المؤمنين أنزل الله براءتك من فوق سبع سمواته " فليس مسجد
يُذكر الله فيه إلا وشأنك يُتلى " فيه آناء الليل وأطراف النهار ابن عباس
هي عائشـة بنت أبي بكر الصديـق ، عبد الله بن أبي قحافـة عثمان بن عامر من
ولد تيـم بن مرة ، ولدت السيـدة عائشـة بعد البعثة بأربع سنين ، وعقد عليها
رسـول اللـه -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة بسنة ، ودخـل عليها بعد
الهجرة بسنة أو سنتيـن000وقُبِضَ عنها الرسول الكريم وهي بنـت ثمان عشرة
سنة ، وعاشت ست وستين سنة ، وحفظت القرآن الكريم في حياة الرسول وروت عن
النبي -صلى الله عليه وسلم- ألفي حديث ومائي وعشرة أحاديث000
الرؤيا المباركة قال الرسـول -صلى الله عليه وسلم- :( أُريتُـكِ -وهو يخاطب
عائشـة- في المنام ثلاث ليالٍ ، جاءني بك الملك في سَرَقةٍ من حرير ، وهو
الحرير الأبيض ، فيقول :( هذه إمرأتك )000فاكشف عن وجهك فإذا أنت هي
؟000فأقول :( إن يكُ هذا من عند الله يُمضِهِ)000 الخِطبة عندما ذكرت خولة
بنت حكيـم لرسـول الله -صلى الله عليه وسلم- اسم عائشة لتخطبها له ، تهلل
وجهه الشريف لتحقق الرؤيا المباركة ، ولرباط المصاهـرة الذي سيقرب بينه
وبين أحـب الناس إليه000 دخلت خولة الى بيت أبي بكر ، فوجدت أم عائشة فقالت
لها :( ماذا أدخل الله عليكم من الخير و البركة ؟)000قالت أم عائشة :( وما
ذاك ؟)000أجابت :( أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخطبُ له عائشة
)000فقالت :( ودِدْتُ ، انتظري أبا بكر فإنه آتٍ )000
وجاء أبو بكر فقالت له :( يا أبا بكر ، ماذا أدخل الله عليك من الخير
والبركة ؟! أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخطبُ عائشـة )000فذكر
أبو بكر موضعـه من الرسـول -صلى الله عليه وسلم- وقال :( وهل تصلح له
؟000إنما هـي ابنة أخيه ؟)000فرجعت خولة الى الرسول -صلى الله عليه وسلم-
فقالت له ذلك ، فقال :( ارجعي إليه فقولي : أنت أخي في الإسلام ، وأنا أخوك
، وبنتك تصلحُ لي )000فذكرت ذلك لأبي بكر فقال :( انتظريني حتى أرجع
)000فذهب ليتحلل من عِدَةٍ للمطعم بن عدي ، كان ذكرها على ابنه ، فلما عاد
أبو بكر قال :( قد أذهبَ الله العِدَة التي كانت في نفسـه من عدِتِه التي
وعدها إيّـاه ، ادْعي لي رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- )000
فدعتْه وجاء ، فأنكحه ، فحصلت قرابة النسب بعد قرابة الدين000 العروس
المباركة وبعد أن هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين الى المدينة ،
وحين أتى الميعاد أسرع الأصحاب من الأنصار وزوجاتهم الى منزل الصديق حيث
كانت تقوم فيه العروس المباركة ، فاجتمعت النسوة الى آل الصديق يهيئن
العروس لتزفّ الى زوجها ( سيد الخلق ) ، وبعد أن هيَّئْنَها وزفَفْنها ،
دخلت ( أم الرومان ) أم عائشة بصحبة ابنتها العروس الى منزل الرسول -صلى
الله عليه وسلم- من دار أبي بكر ، و قالت :( هؤلاء أهلك ، فبارك الله لك
فيهنّ ، وبارك لهن فيك )000وتنقضي ليلة الزفاف في دار أبي بكر ( في بني
الحارث بن الخزرج )000ثم يتحوّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأهله الى
البيت الجديد000وهو حجرة من الحجرات التي شُيّدت حول المسجد000
حديث الإفك حديث الإفك خطير أفظع الخطر في مضمونه ومحتواه000فمضمونه :
العداء للإسلام والمسلمين ، و محتواه : قذف عرض النبي -صلى الله عليه وسلم-
وإشاعة مقالة السوء في أهله الأطهار ، و أغراضه : إكراه الرسول -صلى الله
عليه وسلم- والمهاجرين على الخروج من المدينة ، وأهدافه : إزالة آثار
الإسلام والإيمان من قلوب الأنصار000 الحادثة وفي غزوة المصطلق سنة ست
للهجرة ، تقول السيدة عائشة :( فلما فرغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من
سفره ذلك وجّه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض
الليل ، ثم أذّن في الناس بالرحيل ، فارتحل الناس ، وخرجت لبعض حاجاتي وفي
عنقي عقد لي ، فلما فرغت أنسل من عنقي ولا أدري ، فلما رجعت الى الرحل ذهبت
ألتمسه في عنقي فلم أجده ، وقد أخذ الناس في الرحيل ، فرجعت الى مكاني
الذي ذهبت إليه ، فالتمسته حتى وجدته ، وجاء القوم خلافي ، الذين كانوا
يُرَحِّلون لي البعير ، وقد فرغوا من رحلته ، فأخذوا الهودج وهم يظنون أني
فيه كما كنت أصنع ، فاحتملوه فشدوه على البعير ، ولم يشكوا أني فيه ، ثم
أخذوا برأس البعير فانطلقوا به ، فرجعت الى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب
، قد انطلق الناس000
فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني ، وعرفت أن لو قد افتقدت لرُجع إلي ،
فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطّل السُّلَمي ، وقد كان تخلف عن
العسكر لبعض حاجته ، فلم يبت مع الناس ، فرأى سوادي فأقبل حتى وقف علي ،
وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فلما رآني قال :( إنا لله وإنا
إليه راجعون ، ظعينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000وأنا متلففة في
ثيابي ، قال :( ما خلّفك يرحمك الله ؟)000فما كلمته ، ثم قرب البعير فقال
:( اركبي )000واستأخر عني ، فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعاً يطلب
الناس ، فوالله ما أدركنا الناس وما افتُقدت حتى أصبحت ، ونزل الناس ، فلما
أطمأنوا طلع الرجل يقود بي ، فقال أهل الإفك ما قالوا ، فارتعج العسكر ،
ووالله ما أعلم بشيء من ذلك )000 مرض عائشة وفي المدينة مرضت السيـدة
عائشـة مرضاً شديداً ، ولم تعلم بالحديـث الذي وصل للرسـول -صلى الله عليه
وسلم- وأبويها ، إلا أنها قد أنكرت من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعض
لطفه بها ، وحين رأت جفائه لها استأذنت بالإنتقال الى أمها لتمرضها فأذن
لها000وبعد مرور بضع وعشرين ليلة خرجت مع أم مِسْطح بنت أبي رُهْم بن
المطلب بن عبد مناف ، فعلمت بحديث الإفك ، وعادت الى البيت تبكي وقالت
لأمها :( يغفر الله لك ، تحدّث الناس بما تحدّثوا به وبلغك ما بلغك ، ولا
تذكرين لي من ذلك شيئاً)000
قالت :( أي بُنَيَّة خفِّضي الشأن ، فوالله قلّما كانت امرأة حسناء عند رجل
يُحبها لها ضرائر إلا كثّرن وكثّر الناس عليها )000 الأوس والخزرج وقد قام
الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الناس يخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم
قال :( أيها الناس ، ما بال رجال يؤذونني في أهلي ، ويقولون عليهم غير
الحق ؟000والله ما علمت منهم إلا خيراً ، ويقولون ذلك لرجلِ والله ما علمت
منه إلا خيراً ، وما دخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي )000لمّا قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- تلك المقالة ، قال أسيْد بن حُضَيْر :( يا رسول
الله ، إن يكونوا من الأوس نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج
فمُرْنا بأمرك ، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم )000فقام سعد بن عُبادة
فقال :( كذبت لعمر الله لا تُضرَب أعناقهم ، أما والله ما قلت هذه المقالة
إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا )000قال
أسيد :( كذبت لعمر الله ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين )000وتساور الناس
حتى كاد أن يكون بين هذين الحيّين من الأوس والخزرج شرّ ، ونزل الرسول
-صلى الله عليه وسلم- فدخل على عائشة000
الإستشارة ودعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب وأسامة بن
زيد ، فاستشارهما ، فأما أسامة فأثنى خيراً وقال :( يا رسول الله ، أهلك ،
ولا نعلم عليهن إلا خيراً ، وهذا الكذب و الباطل )000وأما علي فإنه قال :(
يا رسول الله ، إنّ النساء لكثير ، وإنك لقادر على أن تستخلف ، وسلِ
الجارية تصدُقك )000فدعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( بريرة ) ليسألها ،
فقام إليها علي فضربها ضربا شديداً وهو يقول :( اصدقي رسول الله )000فقالت
:( والله ما أعلم إلا خيراً ، وما كنت أعيب على عائشة إلا أني كنت أعجن
عجيني ، فآمرها أن تحفظه فتنام عنه ، فيأتي الداجن فيأكله )000 الرسول و
عائشة تقول السيدة عائشة :( ثم دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وعندي أبواي ، وعندي امرأة من الأنصار ، وأنا أبكي وهي تبكي معي ، فجلس
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :( يا عائشة ، إنه قد كان ما قد بلغك من قول
الناس ، فاتّقي الله وإن كنت قارفت سوءاً مما يقول الناس فتوبي الى الله ،
فإن الله يقبل التوبة من عباده )000قالت :( فوالله ما هو إلا أن قال ذلك ،
فقلص دمعي ، حتى ما أحس منه شيئاً ، وانتظرت أبَوَيّ أن يجيبا عني رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يتكلما000فقلت لهما :( ألا تجيبان رسول الله
؟)000فقالا لي :( والله ما ندري بماذا نجيبه )000
قالت :( فلما أن استعجما عليّ استعبرت فبكيت ثم قلت :( والله لا أتوب إلى
الله مما ذكرت أبداً ، والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس ، والله
يعلم أنّي منه بريئة ، لأقولن ما لم يكن ، ولئن أنا أنكرت ما تقولون لا
تُصدِّقونني ، ولكني أقول كما قال أبو يوسف :( فصبرٌ جميلٌ والله المستعان
على ما تصفون )000 البراءة قالت السيدة عائشة :( فوالله ما بَرِحَ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه ،
فسُجِّي بثوبه ، ووضِعت له وسادة من أدم تحت رأسه ، فأما أنا حين رأيت من
ذلك ما رأيت ، فوالله ما فزعت كثيرا ولا باليت ، قد عرفت أني بريئة ، وإن
الله غير ظالمي ، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سُرّيَ عن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فَرَقاً أن يأتي من الله
تحقيق ما قال الناس ، ثم سُرِّيَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس
وإنه ليتحدّر منه مثل الجُمان في يومٍ شاتٍ ، فجعل يمسح العرق عن جبينه
ويقول :( أبشري يا عائشة ، فقد أنزل الله براءتـك )000فقالت :( بحمـد الله
وذمّكـم )000
ثم خرج الى الناس فخطبـهم ، وتلا عليهم ما أنـزل اللـه عز وجل من
القرآن000سورة النور ( 11-19 )000وبدايتها000 قال تعالى :"( إنَّ الذين
جَاؤُوا بالإفكِ عُصْبَةُ منكم ، لا تحسبوه شراً لكم بلْ هو خيرُ لكم ، لكل
امرىءٍ منهم ما اكتسبَ من الإثم ، والذي تولَّى كِبْرَهُ منهم له عذابٌ
عظيمٌ ، لولا إذ سمعتُموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ")000
إقامة الحد ثم أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمسطح بن أثاثة ، وحسان بن
ثابت ، وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدَّهم000 حبيبة
الحبيب قالت السيدة عائشة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( يا رسول الله ،
كيف حبّك لي ؟)000قال -صلى الله عليه وسلم- :( كعقد الحبل )000فكانت تقول
له :( كيف العُقدةُ يا رسول الله ؟)000فيقول :( هي على حالها )000كما أن
فاطمة -رضي الله عنها- ذهبت الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذكر عائشة
عنده فقال :( يا بُنية : حبيبة أبيك )000 قال ابن عباس -رضي الله عنهما-
لأم المؤمنين عائشة :( كنتِ أحبَّ نساء النبي-صلى الله عليه وسلم- إليه ،
ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُحبُّ إلا طيّباً )000وقال :(
هلكت قلادتُك بالأبواء ، فأصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلتقطها فلم
يجدوا ماءً ، فأنزل الله عزّ وجل:000 قال تعالى :( فتيمموا صعيداً طيباً
)000
فكان ذلك بسببكِ وبركتك ما أنزل الله تعالى لهذه الأمة من الرخصة)000وقال
:( وأنزل الله براءتك من فوق سبع سمواته ، فليس مسجد يُذكر الله فيه إلاّ
وشأنك يُتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار )000 فقالت :( يا ابن عباس دعني
منك ومن تزكيتك ، فوالله لوددت أني كنت نسياً مِنسياً )000 رؤية جبريل قالت
السيـدة عائشـة :( رأيتك يا رسـول الله واضعاً يدك على معرفة فرسٍ ، وأنت
قائم تكلِّم دِحيـة الكلبي )000قال -صلى الله عليه وسلم- :( أوَقدْ رأيته
؟)000قالت :( نعم!)000قال :( فإنه جبريل ، وهو يقرئك السلام )000قالت :(
وعليه السلام ورحمة الله وجزاه الله خيراً من زائر ، فنعم الصاحب ونعم
الداخل )000 زهدها قال عروة :( أن معاوية بعث الى عائشة -رضي الله عنها-
بمائة ألف ، فوالله ما غابت الشمس عن ذلك اليوم حتى فرّقتها000قالت لها
مولاتها :( لو اشتريت لنا من هذه الدراهم بدرهمٍ لحماً !)000فقالت :( لو
قلت قبل أن أفرقها لفعلت )000 فضلها العلمي كانت السيدة عائشة صغيرة السن
حين صحبت الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وهذا السن يكون الإنسان فيه أفرغ
بالا ، وأشد استعداداً لتلقي العلم ، وقد كانت السيدة عائشة -رضي الله
عنها- متوقدة الذهن ، نيّرة الفكر ، شديدة الملاحظة ، فهي وإن كانت صغيرة
السن كانت كبيرة العقل000قال الإمام الزهري :( لو جمع علم عائشة الى علم
جميع أمهات المؤمنين ، وعلم جميع النساء ، لكان علم عائشة أفضل )000وقال
أبو موسى الأشعري :( ما أشكل علينا أمرٌ فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها
فيه علماً )000 وكان عروة يقول للسيدة عائشة :( يا أمتاه لا أعجب من فقهك ؟
أقول زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابنة أبي بكر ، ولا أعجب من
علمك بالشعر وأيام العرب ، أقول بنية أبي بكر -وكان أعلم الناس- ولكن أعجب
من علمك بالطب فكيف هو ؟ ومن أين هو ؟ وما هو ؟)000
قال : فضربت على منكبي ثم قالت :( أيْ عُريّة -تصغير عروة وكانت خالته- إنّ
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسقم في آخر عمره ، فكانت تقدم عليه
الوفود من كل وجه فتنعت له فكنت أعالجه ، فمن ثَمَّ )000 اعتزال النبي
لنسائه اعتزل النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه شهراً ، وشاع الخبر أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قد طلّق نساءه ، ولم يكن أحد من الصحابة يجرؤ
على الكلام معه في ذلك ، واستأذن عمر عدّة مرات للدخول على الرسول -صلى
الله عليه وسلم- فلم يؤذن له000 ثم ذهب ثالثة يستأذن في الدخول على الرسول
-صلى الله عليه وسلم- فأذِنَ له ، فدخل عمر والنبي -صلى الله عليه وسلم-
متكىء على حصير قد أثر في جنبه ، فقال عمر :( أطلقت يا رسول الله نساءك
؟)000فرفع -صلى الله عليه وسلم- رأسه وقال :( لا)000فقال عمر :( الله أكبر
)000ثم أخذ عمر وهو مسرور يهوّن على النبـي -صلى الله عليه وسلم- ما لاقى
من نسائـه ، فقال عمر :( الله أكبر ! لو رأيتنا يا رسـول اللـه وكنّا معشر
قريش قوماً نغلِبُ النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم
فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم ، فغضبتُ على امرأتي يوماً ، فإذا هي
تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت :( ما تُنْكِر أن راجعتك ؟ فوالله إن
أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ليراجعْنَهُ ، وتهجره إحداهنّ اليوم الى
الليل )000
فقلت :( قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسِرَتْ ، أفتأمَنُ إحداكنّ أن يغضب الله
عليها لغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذاً هي قد هلكت ؟)000فتبسّم
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000 فقال عمر :( يا رسول الله ، قد دخلت على
حفصة فقلت :( لا يغرنّك أن كانت جاريتك -يعني عائشة- هي أوْسَم وأحبُّ إلى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منك )000فتبسّم الرسول -صلى الله عليه
وسلم- ثانية ، فاستأذن عمر -رضي الله عنه- بالجلوس فأذن له000 وكان -صلى
الله عليه وسلم- أقسم أن لا يدخل على نسائه شهراً من شدّة مَوْجدَتِهِ
عليهنّ ، حتى عاتبه الله تعالى ونزلت هذه الآية في عائشة وحفصة لأنهما
البادئتان في مظاهرة النبي -صلى الله عليه وسلم-000والآية التي تليها في
أمهات المؤمنين000 قال تعالى :( إِن تَتُوبَا إلى اللهِ فقد صَغَتْ
قُلُوبُكُما وإن تَظَاهرا عَلَيه فإنّ اللهَ هوَ مَوْلاهُ وجِبريلُ
وَصَالِحُ المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ ** عسى رَبُّهُ إن طلَّقَكُنَّ
أن يُبْدِلَهُ أزواجاً خَيْراً منكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانتاتٍ
تائباتٍ عابداتٍ سائِحاتٍ ثَيَّباتٍ وأبكاراً )000سورة التحريم آية ( 4-5
)000 فما كان منهن وآيات الله تتلى على مسامعهن إلا أن قلنَ 000 قال تعالى
:( سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير )000
السيدة عائشة والإمام علي لم يكن يوم الجمل لعلي بن أبي طالب ، والسيدة
عائشة ، وطلحة والزبير قصد في القتال ، ولكن وقع الإقتتال بغير اختيارهم ،
وكان علي -رضي الله عنه- يوقر أم المؤمنين عائشة ويُجلّها فهو يقول :( إنها
لزوجة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة )000وكذا السيدة
عائشة كانت تُجِلّ علياً و توقره ، فإنها -رضي الله عنها- حين خرجت ، لم
تخرج لقتال ، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين ، وظنّت أن في خروجها
مصلحة للمسلمين ثم تبيـن لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى ، فكانـت إذا
ذكرت خروجها تبكي حتى تبلّ خمارها000فعندما أقبلت السيدة عائشة وبلغت مياه
بني عامر ليلاً ، نبحت الكلاب ، فقالت :( أيُّ ماءٍ هذا ؟)000قالوا :( ماء
الحوْأب )000قالت :( ما أظنني إلا راجعة )000قال بعض من كان معها :( بل
تقدمين فيراك المسلمون ، فيُصلحُ الله ذات بينهم )000قالت :( إن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم :( كيف بإحداكُنّ تنبُحُ عليها كلاب
الحَوْأب ))000وبعد أن انتهى القتال وقف علي -رضي الله عنه- على خِباء
عائشة يلومها على مسيرها فقالت :( يا ابن أبي طالب ، ملكْتَ فأسْجِحْ -أي
أحسن العفو-)000
فجهَّزها الى المدينة وأعطاها اثني عشر ألفاً -رضي الله عنهم أجمعين-000
معاوية والسيدة عائشة لمّا قدِم معاوية المدينة يريد الحج دخل على أم
المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ومولاها ذكوان أبو عامر عندها فقالت له
عائشة :( أمِنتَ أن أخبِّىء لك رجلاً يقتلك بقتلك أخي محمداً ؟)000قال
معاوية :( صدقتِ )000فكلّمها معاوية فلمّا قضى كلامه ، تشهدت عائشة ثم ذكرت
ما بعث الله به نبيه من الهدى ودين الحق ، والذي سنّ الخلفاء بعده ،
وحضّتْ معاوية على اتباع أمرهم ، فقالت في ذلك ، فلم تترِك000 فلمّا قضت
مقالتها قال لها معاوية :( أنتِ والله العالمة بأمر رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-المناصحة المشفقة ، البليغة الموعظة ، حَضَضْتِ على الخير وأمرت
به ، ولم تأمرينا إلا بالذي هو لنا ، وأنتِ أهلٌ أن تطاعي )000فتكلّمت هي
ومعاوية كلاماً كثيراً ، فلمّا قدم معاوية اتكأ على ذكوان ، قال :( والله
ما سمعت خطيباً ليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبلغ من عائشة )000
وفاتها توفيت سنة ثمان وخمسين في شهر رمضان لسبع عشرة ليلة خلت منه ،
ودُفنت في البقيع0