عمار
بن ياسر رضي الله عنه " صبرا آل ياسـر فإن موعدكـم الجنـة " حديـث شريـف
خرج والد عمار بن ياسر من بلده اليمن يريد أخا له ، يبحث عنه ، وفي مكة
طاب له المقام فحالف أبا حذيفة بن المغيرة ، وزوجه أبو حذيفة إحدى إمائه (
سمية بنت خياط ) ورزقا بابنهما ( عمار ) ، وكان إسلامهم مبكرا0
العذاب وشأن الأبرار المُبَكّرين أخذوا نصيبهم الأوفى من عذاب قريش
وأهوالها ، ووُكل أمر تعذيبهم إلى بني مخزوم ، يخرجون بهم جميعا ياسر و
سمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة ويصبون عليهم من جحيم العذاب ،
وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يخرج كل يوم الى أسرة ياسر مُحييا
صمودها وقلبه الكبير يذوب رحمة وحنانا لمشهدهم ، وذات يوم ناداه عمار :(
يا رسول الله ، لقد بلغ منا العذاب كُلَّ مبلغ )000فناداه الرسول -صلى
الله عليه وسلم- :( صبرا أبا اليَقْظان ، صبرا آل ياسر فإن موعـدكم الجنة
)000 ولقد وصـف أصحاب عمار العذاب الذي نزل به 000فيقول عمـرو بن ميمون :(
أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار ، فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم-
يمر به ، ويُمر يده على رأسه ويقول : يا نار كوني بردا وسلاما على عمار
كما كنت بردا وسلاما على إبراهيم )000و يقول عمرو بن الحكم :( كان عمار
يعذب حتى لا يدري ما يقول )000وقد فقد وعيه يوما فقالوا له :( اذكر آلهتنا
بخير )000وأخذوا يقولون له وهو يردد وراءهم من غيـر شعور000وبعد أن أفاق
من غيبوبتـه وتذكر ما كان طار صوابـه ، فألفاه الرسـول -صلى اللـه عليه
وسلم- يبكي فجعل يمسح دموعه بيده ويقول له :( أخذك الكفار فغطوك في الماء
فقلت : كذا وكذا ؟)000أجاب عمار وهو ينتحب :( نعم يا رسول الله )000فقال
له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يبتسم :( إن عادوا فقل لهم مثل قولك
هذا )000ثم تلا عليه الآية الكريمة قال تعالى :( إلا من أُكرِه وقلبه
مطمئنٌ بالإيمان )000 واسترد عمار سكينة نفسه ، وصمد أمام المشركين000 حب
الرسول لعمّار استقر المسلمون بعد الهجرة في المدينة ، وأخذ عمار مكانه
عاليا بين المسلمين ، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحبه حبا عظيما ،
يقول عنه -صلى الله عليه وسلم- ( إن عمّارا مُلِىء إيمانا إلى مُشاشه -تحت
عظامه- )000وحين كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يبنون المسجد
بالمدينة إثر نزولهم ، إرتجز علي بن أبي طالب أنشودة راح يرددها ويرددها
المسلمون معه ،وأخذ عمار يرددها ويرفع صوته ،وظن بعض أصحابه أن عمارا يعرض
به ، فغاضبه ببعض القول فغضب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال :( ما لهم
ولعمّار ؟000يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ، إن عمّارا جِلْدَة ما
بين عيني وأنفي )000وحين وقع خلاف عابر بين خالد بن الوليد وعمّار قال
الرسول :( من عادى عمّارا عاداه الله ، ومن أبغض عمّارا أبغضه الله
)000فسارع خالد إلى عمار معتذرا وطامعا بالصفح000 كما قال -عليه أفضل
الصلاة والسلام-:( اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة : إلى علي ، وعمّار وبلال
)000 إيمانه لقد بلغ عمار في درجات الهدى واليقين ما جعل الرسول -صلى الله
عليه وسلم- يُزَكي إيمانه فيقول :( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ،
واهتدوا بهدي عَمّار )000 كما أن حذيفة بن اليمان وهو يعالج سكرات الموت
سأله أصحابه :( بمن تأمرنا إذا اختلف الناس )000فأجابهم :( عليكم بابن
سمية ، فإنه لا يفارق الحق حتى يموت )000 نبوءة الرسول أثناء بناء مسجد
الرسـول -صلى الله عليه وسلم- أخذ الحنان الرسـول الكريـم الى عمار ،
فاقترب منه ونفض بيده الغُبار الذي كسـى رأسه ، وتأمل الرسول -صلى الله
عليه وسلم- وجه عمار الوديع المؤمن ثم قال على ملأ من أصحابه :( وَيْحَ
ابن سمية ، تقتله الفئة الباغية )000وتتكرر النبوءة حين يسقط الجدار على
رأس عمار فيظن بعض إخوانه أنه مات ، فيذهب الى الرسول ينعاه ، فيقول
الرسول -صلى الله عليه سلم- بطُمأنينة وثقة :( ما مات عمار ، تقتل عماراَ
الفئة الباغية )000 يوم اليمامة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-
واصل عمار تألقه في مواجهة جيوش الردة والفرس والروم ، وكان دوما في
الصفوف الأولى ، وفي يوم اليمامة انطلق البطل في استبسـال عاصف ، وإذا يرى
فتـور المسلمين يرسل بين صفوفـهم صياحه المزلزل فيندفعون كالسهام ، يقول
عبـد الله بن عمـر :( رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخـرة ، وقد أشرف
يصيح :( يا معشر المسلمين أمِـن الجنة تفـرّون ؟000أنا عمار بن ياسر
هلُمّـوا إلي)000فنظرت إليه فإذا أذنه مقطوعة تتأرجح ، وهو يقاتل أشد
القتال )000 ولاية الكوفة لفضائله -رضي الله عنه- سارع عمر بن الخطاب
واختاره والياً للكوفة وجعل ابن مسعود معه على بيت المال ، وكتب الى أهلها
مبشرا :( إني أبعث إليكم عمَّار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود مُعَلما
ووزيرا ، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ومن أهل بدر )000يقول ابن أبي
الهُذَيْل وهو من معاصري عمار في الكوفـة :( رأيت عمار بن ياسر وهو أميـر
الكوفة يشتري من قِثائها ، ثم يربطها بحبـل ويحملها فوق ظهـره ويمضي بها
الى داره )000كما ناداه أحد العامة يوما :( يا أجدع الأذن )000فيجيبه
الأمير :( خَيْر أذنيّ سببت ، لقد أصيبت في سبيل الله )000 عمار والفتنة
وجاءت الفتنة ووقع الخلاف بين علي -كرم الله وجهه- ومعاوية ، فوقف عمار
الى جانب علي بن أبي طالب مُذعنا للحق وحافظا للعهد ، وفي يوم صِفِّين عام
37 هجري خرج عمار مع علي بن أبي طالب وكان عمره ثلاثا وتسعين عاما ، وقال
للناس :( أيها الناس سيروا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يثأرن
لعثمان ، ووالله ما قصدهم الأخذ بثأره ، ولكنهم ذاقوا الدنيا ، واستمرءوها
وعلموا أن الحق يحول بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من شهواتهم ودنياهم ، وما
كان لهؤلاء سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة المسلمين لهم ولا الولاية
عليهم ، ولا عرفت قلوبهم من خشية الله ما يحملهم على اتباع الحق ، وإنهم
ليخدعون الناس بزعمهم أنهم يثأرون لدم عثمان ، وما يريدون إلا أن يكونوا
جبابرة وملوكا )000ثم أخذ الرايـة بيده ورفعهـا عاليا وصـاح في الناس :(
والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وهأنذا أقاتل بها اليوم ، والذي نفسي بيده لو هزمونا حتى يبلغوا سعفات
هَجَر ، لعلمت أننا على الحق وأنهم على الباطل )000 تحقق نبوءة الرسول كان
عمار بن ياسر وهو يجول في المعركة يؤمن أنه واحد من شهدائها ، وكانت نبوءة
الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمام عينيه :( تقتل عماراَ الفئة الباغية
)000من أجل هذا كان يغرد قائلا :( اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه )000ولقد
حاول رجال معاوية أن يتجنبوا عمَّارا ما استطاعوا ، حتى لا تقتله سيوفهم
فيتبين للناس أنهم الفئة الباغية ، ولكن شجاعة عمار ابن الثالث والتسعين
وقتاله كجيش لوحده أفقدهم صوابهم حتى إذا تمكنوا منه أصابوه ، وانتشر
الخبر ، وتذكر الناس نبوءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فزادت فريق علي بن
أبي طالب إيمانا بأنهم على الحق ، وحدثت بلبلة في صفوف معاوية ، وتهيأ
الكثير منهم للتمرد والإنضمام الى علي ، فخرج معاوية خاطبا فيهم :( إنما
قتله الذين خرجوا به من داره ، وجاءوا به الى القتال )000وانخدع الناس
واستأنفت المعركة000 الشهيد حمل الإمام علي عماراً فوق صدره الى حيث صلى
عليه والمسلمـون معه ، ثم دفنه في ثيابه ، ووقف المسلمون على قبـره يعجبون
، فقبل قليـل كان يغـرد :( اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه )000وتذكروا قول
الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( اشتاقت الجنة لعمّار